ما نشاهده من حرص شديد بعدم تفويت متعة مشاهدة البرامج والمسلسلات الرمضانية وتغير النمط الغذائي في هذا الشهر من حيث الكمية والنوعية والتوقيت، إضافة الى الارتباطات الاجتماعية والالتزام بمواعيد مختلفة، سلوكيات ينتج عنها الكثير من اضطرابات النوم والاستيقاظ أثناء شهر رمضان الكريم.
يحل شهر رمضان المبارك بعد التمتع بأشهر الإجازة الصيفية، مما يحفز الصائمين على السهر ويحد كثيرا من أوقات نومهم. والمعروف بداهة أن الناس قد فُطروا على النوم بالليل وكسب الرزق بالنهار، تماشيا مع دورة الشمس والقمر، وهي المنظمة الكونية للساعة الحيوية الداخلية.
لذلك كان من الطبيعي أن يعاني الإنسان من عدد من الاضطرابات المرتبطة بالنوم والاستيقاظ عند خروج نسق نومه الطبيعي عن دورة الليل والنهار.
ان ما يميز شهر رمضان المبارك ارتباط الناس بمواعيد نوم واستيقاظ تختلف عن غيرها في الأشهر الأخرى، وذلك بسبب العبادات الدينية والعادات الاجتماعية التي تحفزهم على السهر ومن ثم الاستيقاظ في وقت متأخر من النهار، الأمر الذي عادة ما ينتهي بتغيير نمط نومهم بالكلية ودخولهم في دورة معاكسة تماما للساعة الحيوية للجسم.
قد ينتج عن هذه السلوكيات المختلفة أثناء شهر رمضان المبارك الكثير من اضطرابات النوم والاستيقاظ مما يعرف طبيا بالحرمان الحاد والمزمن من النوم ، واضطرابات الساعة الحيوية ، كمتلازمة تأخر مرحلة النوم ، واختلال أوقات النوم والاستيقاظ بشكل معاكس. فالإنسان البالغ يحتاج إلى ما معدله 7 8 ساعات من النوم في الليلة حتى يستطيع القيام بجميع وظائفه الحيوية على أكمل وجه. ويزيد هذا العدد إلى 16 ساعة بالنسبة للأطفال الرضع ويقل إلى حوالي 5 ، 6 ساعات بالنسبة لكبار السن. وعلى الرغم من حصول كثير من الأفراد على عدد ساعات نومهم الكافي خلال النهار في شهر رمضان المبارك، إلا أن كثيرا منهم يشتكي من أعراض نقص النوم الحاد، وذلك بسبب عدة احتمالات منها التغيير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ أو اضطراب إفراز بعض الهورمونات كهورمون الميلاتونين أو الارتفاع النسبي في درجة حرارة الجسم المصاحب لفترة النهار أو رداءة نوعية النوم أثناء ساعات النهار مقارنة بالليل. ولا يجد كثير من الناس صعوبة في تغيير نمط حياتهم ومواعيد نومهم واستيقاظهم في رمضان وذلك بسبب اجتماع الناس كلهم على نمط اجتماعي مختلف، إلا أن ذلك عادة ما يكون على حساب معاناة كثير منهم من أعراض اضطراب الساعة الحيوية والحرمان من النوم مثل زيادة النعاس والخمول والصداع، وتعكر المزاج، والتململ أثناء النوم في ساعات النهار.
نمط النوم
وتختلف القدرة على تغيير نظام النوم والاستيقاظ أثناء شهر رمضان من شخص لآخر ومن فئة عمرية لأخرى، فحديثي السن من الأطفال والمراهقين يمكن لهم أن يغيروا نمط نومهم والتأقلم عليه بصورة أسهل بخلاف كثير من البالغين ومن هم في سن متقدمة. والواضح أن المجتمع المدني الحديث يشجع كثيرا على اختلال مواعيد النوم والاستيقاظ خلال شهر رمضان نظرا للارتباطات الاجتماعية التي عادة ما تبدأ في وقت متأخر من الليل وتمتد إلى ساعات النهار الأولى، كذلك بسبب الانشغال بالإنترنت ومتابعة القنوات الفضائية وانتشار أسواق التبضع العاملة على مدار الأربع والعشرين ساعة.
والمطلوب هنا تنظيم الأوقات والحفاظ على راحة الجسم بالأخذ بأسباب النوم السليم حتى يمكن أداء العبادات بنشاط واستمتاع.
وهناك بعض الأشخاص الذين يغلب على طبيعتهم التوتر أو رداءة النوم، وغالبهم من النساء، يمكن أن ينتهي بهم المطاف بعد شهر رمضان إلى اضطرابات مزمنة في الساعة الحيوية ومعاناتهم من الأرق والحرمان المزمن من النوم وما يتبع ذلك من آثار خطيرة على الصحة بسبب دخولهم في نمط نوم عكسي وعدم استطاعتهم تعديل هذا النمط تدريجيا كغيرهم من الناس بعد انتهاء الموسم وعودتهم إلى أوقات العمل والدراسة المعتادة.
الغذاء والنوم في رمضان
إن مما يزيد النوم اضطرابا، تغير السلوكيات المرتبطة بالطعام والشراب في شهر رمضان، حيث تزداد كميات الطعام المتناولة، وبالتالي السعرات الحرارية أثناء الليل وتتغير نوعية الطعام إلى الكثير من المواد السكرية والدهنية التي يتم تناولها في أوقات غير منتظمة مما يسبب زيادة حموضة المعدة وسوء الهضم واضطرابات القولون لدى كثير من الناس. ومن الثابت علميا تأثر النوم سلبا بزيادة حموضة المعدة والارتجاع المعدي المريئي الذي قد يؤدي إلى رداءة النوم والسعال المتكرر وكثرة الاستيقاظ ومن ثم الشعور بالنعاس أثناء النهار نظرا لصعوبة الاستغراق في مرحلة النوم العميق أثناء الليل. وينتج عن سوء السلوك المرتبط بالطعام أثناء شهر رمضان زيادة الوزن عند كثير من الناس بعد انتهاء الشهر الكريم، على الرغم من الصيام أثناء النهار. ويمكن تفسير ذلك بدخول الجسم في حالة الحفاظ على الطاقة أثناء ساعات الصيام وتراكم السعرات الحرارية في الجسم بسبب قلة الحركة، والإفراط في النوم أثناء النهار والإكثار من تناول الطعام خاصة غير الصحي أثناء فترة الليل.
نصائح للنوم السليم خلال شهر رمضان:
من خلال ما تقدم، فإنه ينصح للصائمين في هذا الشهر بما يلي:
تجنب التغيير المفاجئ في مواعيد النوم عند دخول الشهر الكريم.
الاهتمام بالحصول على ساعات نوم كافية بالليل، فالنوم في النهار ليس بجودة النوم أثناء الليل.
يمكن أخذ غفوة قصيرة لا تزيد على نصف ساعة أثناء النهار من أجل استعادة النشاط والاستعانة على قيام الليل.
اعتبار النوم واحدا من أهم الأولويات في خضم حياتنا الاجتماعية يجب احترام مواعيده بصفة يومية.
الاهتمام بانتظام مواعيد الأكل وتجنب الإفراط في الطعام خاصة قبل الخلود للنوم لتجنب العديد من اضطرابات الجهاز الهضمي وفي عملية الأيض وزيادة الوزن.
وينطبق ما تقدم على الأطفال بشكل أكثر أهمية بسبب احتياجهم إلى عدد أكبر من ساعات النوم خلال الليل يستغرقون فيها بشكل كاف في مرحلة النوم العميق من أجل اكتمال نموهم البدني والعقلي.
اختصاصي اول امراض باطنية وقلب
من فضلك شارك هذا الموضوع اذا اعجبك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق